الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
{فَقَدْ جَاءَكُمْ بَشِيرٌ وَنَذِيرٌ} يَبِينُ لَكُمْ أَنَّ أَمْرَ النَّجَاةِ وَالْخَلَاصِ وَالسَّعَادَةِ الْأَبَدِيَّةِ فِي دَارِ الْقَرَارِ لَيْسَ مَنُوطًا بِأَمَانِيِّكُمُ التي تَتَمَنَّوْنَهَا، وَأَوْهَامِكُمُ التي تَغْتَرُّونَ بِهَا، بَلْ هُوَ مَنُوطٌ بِالْإِيمَانِ وَالْأَعْمَالِ، وَأَنَّ اللهَ تَعَالَى لَا يُحَابِي أَحَدًا مِنَ النَّاسِ. قَالَ تَعَالَى: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلَا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلَا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلَا نَصِيرًا وَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلَا يُظْلَمُونَ نَقِيرًا} (4: 123 124) {وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} فَلَا يُعْجِزُهُ أَنْ يُرِيَكُمْ صِدْقَ نَبِيِّهِ بِنَصْرِ دَعْوَتِهِ، وَإِعْلَاءِ كَلِمَتِهِ عَلَيْكُمْ فِي الدُّنْيَا؛ لِتَقِيسُوا عَلَى ذَلِكَ- إِنْ عَقَلْتُمْ- مَا يَكُونُ مِنَ الْأَمْرِ فِي الدَّارِ الْأُخْرَى.رَوَى أَبْنَاءُ إِسْحَاقَ وَجَرِيرٍ وَالْمُنْذِرِ وَأَبِي حَاتِمٍ، وَالْبَيْهَقِيُّ فِي الدَّلَائِلِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: دَعَا رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَهُودَ إِلَى الْإِسْلَامِ، فَرَغَّبَهُمْ فِيهِ وَحَذَّرَهُمْ؛ فَأَبَوْا عَلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَسَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ وَعُقْبَةُ بْنُ وَهْبٍ: يَا مَعْشَرَ يَهُودَ، اتَّقُوا اللهَ، فَوَاللهِ لَتَعْلَمُونِ أَنَّهُ رَسُولُ اللهِ، لَقَدْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَهُ لَنَا قَبْلَ مَبْعَثِهِ، وَتَصِفُونَهُ لَنَا بِصِفَتِهِ، فَقَالَ رَافِعُ بْنُ حُرَيْمِلَةَ وَوَهْبُ بْنُ يَهُوذَا: إِنَّا مَا قُلْنَا لَكُمْ هَذَا، وَمَا أَنْزَلَ اللهُ مِنْ كِتَابٍ مِنْ بَعْدِ مُوسَى، وَلَا أَرْسَلَ بَشِيرًا وَلَا نَذِيرًا بَعْدَهُ. فَأَنْزَلَ اللهُ الْآيَةَ؛ أَيْ أَنْزَلَهَا فِي هَذَا السِّيَاقِ، مُتَضَمِّنَةً لِلرَّدِّ عَلَيْهِمْ.وَمِنْ مَبَاحِثِ اللَّفْظِ فِي الْآيَةِ أَنْ «الْفَتْرَةَ» مِنْ فَتَرَ الشَّيْءُ: إِذَا سَكَنَ أَوْ زَالَتْ حِدَّتُهُ. وَقَالَ الرَّاغِبُ: «الْفُتُورُ» سُكُونٌ بَعْدَ حِدَّةٍ، وَلِينٌ بَعْدَ شِدَّةٍ، وَضَعْفٌ بَعْدَ قُوَّةٍ، وَذَكَرَ الْآيَةَ، وَالْمُرَادُ بِهَا هُنَا انْقِطَاعُ الْوَحْيِ وَظُهُورِ الرُّسُلِ عِدَّةَ قُرُونٍ، وَقوله: {أَنْ تَقُولُوا} تَقَدَّمَ مِثْلُهُ، وَمِنْهُ: {يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} (4: 176) فِي آخِرِ سُورَةِ النِّسَاءِ، وَتَقَدَّمَ وَجْهُ إِعْرَابِهِ، وَأَنَّ بَعْضَهُمْ يُقَدِّرُ لَهُ: كَرَاهِيَةَ أَنْ تَقُولُوا، وَمِثْلُهُ اتِّقَاءَ أَنْ تَقُولُوا، بَلْ هَذَا أَحْسَنُ، وَبَعْضُهُمْ يُقَدِّرُ النَّفْيَ فَيَقُولُ: لِئَلَّا تَقُولُوا، وَالْمَعْنَى عَلَى كُلِّ وَجْهٍ مَا ذَكَرْنَاهُ آنِفًا مِنْ مَنْعِهِمْ مِنْ هَذَا الِاحْتِجَاجِ، وَقَطْعِ طَرِيقِهِ عَلَيْهِمْ. اهـ.
|